• !
admin

تنمية الطلبة وبناء الشخصية: من التعليم إلى التمكين الإنساني

تنمية الطلبة وبناء الشخصية: من التعليم إلى التمكين الإنساني
بقلم الدكتور بدر رمضان الحوسني
استنادًا إلى بحث الحوسني 2024، الصفحات 38–49 و85–97

في عمق كل تجربة تعليمية حقيقية، هناك غاية تتجاوز حدود المعلومة والدرس، لتبلغ جوهرًا إنسانيًا أسمى: بناء شخصية الطالب وتمكينه من إدارة ذاته وحياته بثقة ومسؤولية. فالتعليم لا يكتمل حين يُختزل في مهارات الحساب والقراءة، بل ينضج حين نعلم أبناءنا كيف يفكرون، كيف يختارون، وكيف يتفاعلون مع أنفسهم ومع محيطهم والعالم.

الابتكار التربوي في بناء الذات
أظهرت نتائج دراستي العلمية لعام 2024 حول التمكين التربوي والابتكار أن المهارات الابتكارية ليست ترفًا معرفيًا، بل ضرورة لتنشئة جيل مستعد لمواجهة عالم متغير. وقد شملت الدراسة المهارات التالية:

الطلاقة الفكرية: تعزيز قدرة الطالب على التعبير بحرية عن أفكاره دون خوف من الخطأ.

المرونة المعرفية: تمكينه من التفكير من زوايا متعددة والتكيف مع المتغيرات.

الأصالة في التفكير: تشجيعه على ابتكار حلول غير نمطية للمشكلات المعقدة.

حساسية حل المشكلات: تنمية الوعي بالمواقف التربوية والاجتماعية التي تتطلب استجابة حكيمة.

هذه المهارات، حين تُدمج بوعي ضمن المناهج والتجارب المدرسية، تسهم في تعزيز الدافعية الداخلية للطالب، وتطوير سلوكه الذاتي، وتوسيع مداركه لفهم مستقبله بطرق غير تقليدية.

الذكاء الرقمي والتمكين السيبراني
ربط الطالب بمفاهيم العصر الحديث مثل الحكومة الذكية، والتعلم الرقمي، والتحول التقني، يُعد جزءًا لا يتجزأ من بناء وعيه بالمواطنة الرقمية. وقد أوضحت الدراسة أن إتاحة فرص للطلبة للتفاعل مع هذه المفاهيم يفتح أمامهم آفاقًا لفهم التحديات المعاصرة كأفراد فاعلين في مجتمع رقمي، وليس فقط كمستخدمين للتكنولوجيا.

المسؤولية المشتركة في تشكيل الشخصية
بناء الشخصية المدرسية ليس مسؤولية فرد واحد، بل تحالف تربوي شامل يضم:

المعلم: كنموذج إنساني وقيادي يُحتذى به.

المنهج: كمصدر للتفكير النقدي والتعلم الحواري.

الإدارة: كضامن لبيئة تعليمية آمنة، عادلة، ومحفزة.

الأنشطة المدرسية: كمساحات لاكتشاف الذات، والتجريب، وبناء العلاقات.

في مدارسنا، كل طالب يستحق أن يُمنح فرصة حقيقية لاكتشاف ذاته، وتطويرها، وإدارتها في بيئة تحترم إنسانيته وتستثمر طاقاته. فبدون هذه البيئة، يتحول التعليم إلى عبء، والمعرفة إلى محفوظات، والطلبة إلى متلقين لا مشاركين.

"لا تبنِ عقلًا دون روح، ولا مهارة دون إنسان. فالشخصية هي البنية التحتية لكل نجاح تربوي مستدام."
— د. بدر رمضان الحوسني

من التعليم إلى التكوين
لا تكفي شهادة التخرج إن لم تتوج بتخرج شخصية متزنة. فكل حصة دراسية هي لبنة في بناء الإنسان. وكل تفاعل يومي في المدرسة هو فرصة لتقوية قيم مثل التعاون، المسؤولية، والإبداع. وكل قائد تربوي هو مهندس بناء معنوي ونفسي قبل أن يكون مدير عمليات إدارية.

توصيات تربوية مستخلصة من البحث:
إدماج المهارات الابتكارية في المنهج الدراسي عبر الأنشطة التطبيقية.

إعادة تصميم البيئة الصفية لتكون مساحة آمنة للتعبير والتجريب والفشل الإيجابي.

تنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي لدى الطلبة عبر برامج الإرشاد النفسي والحواري.

ربط المناهج التربوية بقضايا العصر ومفاهيم المستقبل كالتحول الرقمي، والمواطنة الذكية، والاستدامة.

إشراك الطلبة في تصميم خططهم الشخصية وأهدافهم الأكاديمية والتدريبية.

خلاصة
الطالب ليس رقمًا في سجل، ولا منتجًا يمر بخط تجميع. إنه مشروع حياة، وروح تبحث عن ذاتها، وشخصية في طور التكوين. وكلما أحس هذا الطالب أن المدرسة تؤمن به، وتراهن على مستقبله، كلما ازدهر، وأثمر، وتحول إلى قائد في مجتمعه.
بواسطة : admin
 0  0  20