• !
admin

الشراكة التربوية مع الأسرة: مفتاح الجودة والتمكين

الشراكة التربوية مع الأسرة: مفتاح الجودة والتمكين
بقلم الدكتور بدر رمضان الحوسني
استنادًا إلى بحث الحوسني 2024، الصفحتين 172 و174

في ضوء التحديات المعاصرة التي تواجه التعليم، تتأكد الحاجة الملحّة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المدرسة والأسرة، ليس كقنوات اتصال عابرة، بل كشراكة استراتيجية طويلة الأمد. فالبيئات التعليمية الناجحة لا تُبنى فقط على جودة المناهج أو كفاءة المعلمين، بل على تكامل أدوار ثلاثية: المدرسة، المعلم، والأسرة. وهذه العلاقة ليست شكلية، بل جوهرية، تؤثر على سلوك الطالب، ودافعيته، وتحقيقه الأكاديمي.

تُظهر نتائج التحليل الميداني الذي أجريته ضمن دراستي لعام 2024 أن المدارس التي تبنّت نماذج شراكة مؤسسية مدروسة مع أولياء الأمور شهدت:

انخفاضًا ملموسًا في معدلات السلوكيات السلبية.

ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات التحصيل الدراسي والانضباط العام.

تحسنًا في جودة البيئة الصفية وشعور الطلبة بالأمان والدعم.

هذه النتائج ليست مجرد مؤشرات إحصائية، بل دليل واقعي على أن أولياء الأمور ليسوا أطرافًا هامشية في العملية التربوية، وإنما شركاء فاعلون في تشكيل شخصية الطالب وتوجيه مساره القيمي والسلوكي والتعليمي.

من اللقاءات إلى التكامل
القصور الشائع في كثير من المؤسسات التعليمية يتمثل في اختزال دور الأسرة إلى "اجتماعات دورية" أو "ملاحظات أكاديمية" تُرسل عند الحاجة فقط. بينما تشير الدراسة إلى ضرورة بناء نظام تواصل مستمر ومرن مع أولياء الأمور، يرتكز على ثلاثة محاور:

برامج توعوية وتثقيفية لرفع وعي أولياء الأمور بدورهم التربوي.

ورش تدريبية تطبيقية تعزز من مهارات التواصل الفعّال بين البيت والمدرسة.

مبادرات تكاملية تدمج الأسرة في الأنشطة المدرسية، وتمنحها مساحة للمشاركة في اتخاذ القرار التربوي.

الشراكة من منظور إنساني
ليست الشراكة مجرد آلية إدارية، بل رسالة إنسانية قائمة على الصدق، والاحترام المتبادل، والانفتاح. ولي الأمر لا يُستدعى فقط عند الأزمات، بل يُدعى للمشاركة في النجاحات، والتخطيط للمستقبل، وتقييم مسار الأبناء.

حين يشعر ولي الأمر أنه يُنظر إليه بوصفه شريكًا لا مُراقبًا، ومشاركًا لا متلقيًا، فإن ذلك ينعكس على الطالب في شعوره بالثقة والانتماء والتكامل بين ما يتلقاه في المدرسة وما يتشربه في البيت.

"إن صناعة المستقبل التربوي تبدأ حين ندعو ولي الأمر إلى الطاولة لا إلى المقعد، وإلى المشاركة لا إلى المتابعة الصامتة."
— د. بدر رمضان الحوسني

توصيات بحثية وتربوية
بناء على مخرجات البحث، أؤكد على ما يلي:

دمج الأسرة ضمن السياسات التربوية كطرف أساسي في عمليات التخطيط والتنفيذ والتقويم.

إنشاء وحدات متخصصة لشؤون الشراكة الأسرية في كل مدرسة، تدير برامج التواصل المجتمعي وتنظم الفعاليات المشتركة.

مأسسة ثقافة الشراكة داخل المدرسة من خلال تدريب الإدارات والمعلمين على المهارات التشاركية.

تخصيص مؤشرات أداء مدرسية تقيس فعالية التواصل مع أولياء الأمور وربطه بنتائج الطلبة وتحسن بيئة المدرسة.

خلاصة
نحن بحاجة إلى مدرسة تؤمن أن دورها لا يكتمل إلا بيد الأسرة. وأن القائد التربوي الناجح هو من يبني جسور الثقة مع أولياء الأمور لا من يقف خلف الحواجز التنظيمية. فالشراكة الحقيقية تبدأ حين نُشرك ولي الأمر بصدق، ونستمع له باحترام، وندعوه ليكون شريكًا في صناعة حاضر ابنه ومستقبله.
بواسطة : admin
 0  0  21